السبت , 02 أغسطس 2025 - 4:04 مساءً

"عفوًا أيها القانون": فيلم يكشف ازدواجية المعايير ضد المرأة في مصر والمنطقة العربية - بقلم سامية عرموش

المُلصق بلطف عن الشبكة

المُلصق بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: سامية عرموش

يناقش هذا المقال التمييز الصارخ ضد المرأة في المجتمعات العربية عامة، ويسلط الضوء على ما يُعرف بـ"جرائم الشرف" وقضايا العنف، لا سيما فيما يتعلق بنصوص قانونية كانت قائمة. يوضح المقال كيف أن الأعراف المجتمعية الذكورية، إلى جانب هذه النصوص، قد ساهمت في إفلات الجناة من العقاب، بينما وضعت المرأة تحت طائلة أحكام قاسية. يتناول المقال فيلم "عفوًا أيها القانون" كمثال سينمائي جريء كشف هذه الازدواجية، ليصبح مرآة لواقع أوسع في المنطقة.

العنف ضد المرأة: موروثات مجتمعية وقوانين ظالمة

لطالما عانت المرأة من العنف تحت مسميات وذرائع متعددة، كالعادات والتقاليد، أو "حماية الشرف". هذه الموروثات الاجتماعية، التي صاغها المجتمع الأبوي لخدمة مصالحه، أباحت العنف تجاه النساء فقط. هذا يجعل من المجتمع الذكوري وصيًا على المرأة وجانيًا غالبًا ما يفلت من العقاب. يُعد "قتل الشرف" أحد أبرز الأمثلة على هذه الازدواجية، حيث كانت النساء يُقتلن بدعوى "غسل العار" أو "شرف العائلة" تحت غطاء مجتمعي، وفي ظل تفهم قضائي سابق. في المقابل، لم يكن يحق للمرأة قتل الرجل لنفس الدوافع، مما يعكس تباينًا صارخًا في المعايير. هذه الظاهرة، كما يتضح لاحقاً، لم تقتصر على مصر بل امتدت وما زالت في أجزاء من المنطقة العربية.

"عفوًا أيها القانون": فيلم يكشف الحقيقة المرّة ومرآة لواقع أوسع

لعل أشهر الأفلام التي تناولت هذه القضية بجرأة هو فيلم "عفوًا أيها القانون" للمخرجة إيناس الدغيدي، الذي أنتج عام 1985. تناول الفيلم النظرة المتباينة للقانون بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بقضايا القتل بدافع الزنا. عرض الفيلم الواقع الظالم للمرأة بشكل سينمائي مؤثر، من خلال قصة الأستاذة هدى (نجلاء فتحي) التي تفاجأ بخيانة زوجها الدكتور علي (محمود عبد العزيز) في فراشها، فتطلق عليه وعلى عشيقته (هياتم) الرصاص. ينتهي بها الحال في السجن، محكومًا عليها بالسجن 15 عامًا. يُظهر الفيلم بوضوح أن القانون كان يفرق بين الرجل والمرأة في قضايا القتل دفاعًا عن الشرف.

لقد أبرز الفيلم بشكل خاص المادة 237 من قانون العقوبات المصري (قبل إلغائها). ففي حين كانت هذه المادة تمنح الرجل عقوبة مخففة لا تتجاوز 3 سنوات حبسًا إذا فاجأ زوجته في حالة زنا وقتلها فورًا – معتبرة ذلك "جُنحة" وتفهمًا لصدمته – كانت المرأة تُعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد (مدة لا تتجاوز 15 سنة) إذا ضبطت زوجها متلبسًا بخيانته وفعلت الشيء نفسه، معتبرة ذلك "جناية" دون أي تخفيف أو تعاطف. هذه الازدواجية الصارخة في المعايير القانونية عكست عمق التمييز في المنظومة التشريعية والمجتمعية آنذاك، وهي ازدواجية كانت موجودة بصيغ مختلفة في قوانين وممارسات العديد من الدول العربية. وقد أثار الفيلم جدلًا واسعًا عند عرضه لجرأة فكرته وموضوعه، وساهم في فتح نقاش مجتمعي حول التمييز الذي كان يكتنف قانون العقوبات المصري ضد المرأة. لذا، يُعد الفيلم عدسة مكبرة تكشف ازدواجية المعايير المتجذرة في المجتمعات العربية بشكل عام، وليس فقط في مصر.

تطورات تشريعية وأمل في التغيير

لحسن الحظ، شهدت مصر تطورات تشريعية مهمة في السنوات الأخيرة. فقد أُلغيت المادة 237 من قانون العقوبات بموجب القانون رقم 1 لسنة 2021، في خطوة تاريخية نحو تحقيق المساواة القانونية بين الجنسين. يمثل هذا الإلغاء انتصارًا لسنوات من نضال المنظمات النسوية والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويؤكد على توجه الدولة المصرية نحو حماية المرأة بشكل أكثر شمولية. هذا التغيير القانوني يبرهن على أن ما كشفه الفيلم كان بالفعل تمييزًا صارخًا ومستحقًا للإلغاء، وهو ما يعزز أهمية دور الفن في تسليط الضوء على هذه القضايا. إضافة إلى ذلك، تم تغليظ عقوبات التحرش الجنسي وختان الإناث في تعديلات سابقة لقانون العقوبات. كما يوجد حراك متجدد في مصر لإقرار مشروع قانون موحد وشامل لمكافحة العنف ضد المرأة. يهدف هذا المشروع إلى توفير إطار قانوني موحد يعالج العنف ضد المرأة في مختلف صوره، بما يشمل الأبعاد القانونية والنفسية والاجتماعية، وسيوفر آليات حماية فعالة للضحايا.

إحصائيات مؤلمة: العنف ضد المرأة في المنطقة العربية والعالم

للأسف، لا تزال إحصائيات العنف ضد المرأة صادمة. ففي مصر، تُظهر تقارير حديثة (مثل المرصد المصري لحقوق المرأة، تقارير 2023-2024) وقوع مئات الجرائم بحق النساء سنويًا، تتراوح بين القتل والعنف الجسدي والجنسي، وكثير منها لا يزال يرتكب تحت ذرائع مرتبطة بـ"الشرف" أو سوء الظن. هذه الظاهرة لا تقتصر على مصر فقط، بل تمتد عبر المنطقة العربية:

  • سوريا: لا تزال تُسجل مئات جرائم "الشرف" سنويًا، وتُقدر أعدادها بين 200 إلى 300 جريمة في بعض التقديرات غير الرسمية (تقارير منظمات حقوقية سورية، سنوات مختلفة).

  • الأردن: تتعرض النساء للعنف المبرر بـ"الشرف" على يد أفراد الأسرة، وغالبًا ما تُسجل هذه الجرائم تحت مسميات أخرى للتخفيف من وطأة العقوبة (منظمات حقوقية أردنية، تقارير دورية).

  • لبنان: لا تزال المادة 252 من قانون العقوبات تُستخدم لتبرير العنف تحت مفهوم "ثورة الغضب"، ويُفسر القضاة هذا المفهوم بما يناسب "جرائم الشرف" ليستفيد منها الجناة، رغم دعوات مستمرة لإلغاء هذه المواد (منظمات نسوية لبنانية، تقارير حديثة).

  • العراق: لا تزال نساء يُقتلن وتُرمى جثثهن على حواف الطرقات، وسط نقص في الإحصاءات الرسمية الدقيقة التي توثق هذه الجرائم بشكل شامل (منظمات حقوق إنسان دولية ومحلية، تقارير 2023).

  • تونس: تُعد الدولة العربية الوحيدة التي لا تتساهل أبدًا مع جرائم القتل المبررة بـ"الشرف"، وتعاقب بعقوبات شديدة قد تصل إلى الإعدام، مما يجعلها نموذجاً يحتذى به في المنطقة (تحليل قانوني للقوانين التونسية).

مبادرات للتغيير ودور الفن في فضح التمييز

في ظل هذه التحديات، يسعى المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية إلى إحداث تغيير. ففي مصر، أعلن مركز "تدوين لدراسات النوع الاجتماعي" عن تأسيس مبادرة نسوية معنية بإنتاج الفنون البصرية، أطلق عليها "سينما الستات". تهدف المبادرة إلى إحداث تغيير حقيقي في التناول النمطي لأدوار النساء والرجال، خصوصًا في الأعمال الدرامية السينمائية وجميع أشكال الفنون البصرية، لما للفنون السمعية والبصرية من تأثير فعال ومستمر في ثقافة المواطنين. تزامن ذلك مع تصريحات الدكتورة سوزان القليني، رئيس لجنة الإعلام بلجنة رصد دراما رمضان التابعة للمجلس القومي للمرأة في مصر، والتي أعلنت أن مشاهد العنف ضد المرأة في الأعمال الدرامية سجلت 554 عنفًا معنويًا و160 عنفًا ماديًا في أحد الأعوام (العين الإخبارية، 2018).

تؤكد هذه المبادرات على أن مخاطبة المجتمع بمختلف أطيافه وعناصره وجهاته، بما في ذلك جهاز القضاء، يمكن أن تكون أكثر فعالية في الانتصار لقضايا النساء، إذا أُحسن استخدامها لخدمة الهدف المرجو. وقد أثبتت التجارب المختلفة نجاعة وتأثير السينما والمرئيات على إحداث التغيير الثقافي والمجتمعي. ففيلم "عفوًا أيها القانون" أثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية لفضح ازدواجية المعايير، وكسر الصمت حول القضايا المسكوت عنها، وتحريك النقاش المجتمعي نحو التغيير.

إن التغيير القانوني وحده لا يكفي؛ يجب أن يصاحبه تغيير ثقافي واجتماعي عميق. فالتحدي الأكبر يكمن في تغيير العقليات السائدة التي سمحت بازدواجية المعايير لعقود طويلة.

في رأيك، هل يمكن أن تنجح المبادرات الفنية والتعليمية في المنطقة العربية في تسريع وتيرة هذا التغيير الثقافي العميق الذي ما زلنا ننشده؟


الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.

×