الخميس , 30 أكتوبر 2025 - 3:38 صباحاً

سعاد حسني في "صغيرة على الحب": كيف رسمت الأزياء فجوة الجيلين؟

صورة من الفيلم بلطف عن الشبكة

صورة من الفيلم بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: سامية عرموش

فيلم "صغيرة على الحب" (1966)، من إخراج نيازي مصطفى وبطولة النجمة سعاد حسني ورشدي أباظة، هو عمل كلاسيكي لا يُنسى في السينما المصرية. يكمن جوهر الفيلم في المغامرة التي تخوضها سميحة (سعاد حسني) لتنكر شخصيتها الحقيقية وتظهر في مظهرين مختلفين تماماً، لتلعب عملياً شخصيتين منفصلتين عمرياً.

تدور أحداث الفيلم حول "كمال" (رشدي أباظة) الذى يعمل مخرجاً تليفزيونياً، ويبحث عن طفلة صغيرة للقيام ببطولة الاستعراض الجديد الذى يقوم بإخراجه، وتحاول خطيبته نادية (نادية الجندي)، أن تجعله يسند إليها الدور بشتى الطرق، ولكنه لم يكن مناسباً لها، ويقوم المخرج بالإعلان عن مسابقة لاختيار طفلة كبطلة للاستعراض المنتظر، فتقرر سميحة(سعاد حسني) الفتاة الناضجة أن تتنكر فى زى طفلة لكى تسند إليها البطولة.

هذا الفيلم، الذي يُعد اقتباساً عن مسرحية أجنبية (مسرحية "إدلر جونسون")، لم يكتفِ بنقل القصة، بل استوعب صناعه الأهمية القصوى للحلول البصرية التي تخدم النص، وفي مقدمتها الأزياء، لتحقيق خدعة التصغير العمري بنجاح. لقد كان عنصر الأزياء هو العامل الحاسم في إقناع المشاهد والمحيطين بهذا التحول.

التناقض المحوري: قوة الإقناع البصري

بعد أن قررت سميحة (سعاد حسني) التنكر في هيئة طفلة صغيرة للفوز بدور البطولة في استعراض كمال عزمي (رشدي أباظة) وإبعاده عن خطيبته نادية (نادية الجندي)، برز التحدي الدرامي الأكبر وهو: كيف يمكن إقناع المشاهد والشخصيات داخل الفيلم بأن سعاد حسني تمثل كيانين عمريين متباعدين يحملان الاسم ذاته، وهما الممثلة الناضجة "سميحة عبد السلام" و"سميحة" الطفلة المُصطنعة؟

اعتمد الحل على ثلاثة عناصر متكاملة: الأداء الصوتي الطفولي، المكياج الخفيف، وبشكل خاص، الاستراتيجية البصرية للأزياء التي شكلت عماد الإقناع.

دور اللباس في تحديد الهوية العمرية

نجحت أزياء الفيلم في أن ترسم ببراعة الفجوة العمرية بين الشخصيتين، مقدمة دليلاً بصرياً قوياً على الانفصال بينهما:

  1. "سميحة عبد السلام" – الهوية الأنثوية الناضجة تميزت ملابس سميحة عبد السلام (الشخصية الحقيقية) بالأناقة والأنوثة الواضحة، بارتداء الفساتين الكلاسيكية المنسدلة، أو أزياء السفر العصرية. كانت الألوان هادئة أو غنية، تهدف إلى إبراز الجاذبية والنضج. كما كانت الإكسسوارات وتصفيفة الشعر موجهة لتأكيد هيئة المرأة البالغة الجريئة.
  2. "سميحة" – الهوية الطفولية المُصطنعة وتفاصيل الزي على النقيض تماماً، تحولت ملابس سعاد حسني لتصبح بسيطة ومحددة بـ النموذج الطفولي لفتيات الستينيات. كان المظهر يتسم بالآتي:
    • الفساتين المُنفوخة والمُزخرفة: ارتداء الفساتين ذات القصّات الواسعة والأكمام المنفوخة والياقات الدائرية، مع تفضيل النقوش المبهجة (مثل المربعات أو النقاط) والألوان المشرقة. هذه التفاصيل عزلت المظهر عن أي هدف للإغراء، وعززت فكرة البراءة والعبث.
    • عناصر الزي المكملة: اعتمد الإقناع بشكل كبير على الإكسسوارات الطفولية المميزة، مثل القبعة القشية التي تؤطر الوجه لتصغيره بصرياً، وشريطة الشعر الكبيرة التي تشد الشعر للأعلى، بالإضافة إلى الجوارب الطويلة والأحذية المسطحة. هذه العناصر مجتمعة عزلت "سميحة" الطفلة بصرياً عن مظهر المرأة البالغة بشكل قاطع.

 

الأزياء تتجاوز المنطق: "الزي أقوى من الكلمة"

في "صغيرة على الحب"، لم تكن الأزياء مجرد ديكور، بل كانت عنصراً وظيفياً للإقناع.

يظهر هذا بوضوح في المشهد الذي تحضر فيه إلى الاستوديو وتعرف نفسها بالاسم الحقيقي "سميحة". هنا تكمن ذروة الذكاء البصري: المحيطون بها لم يستوعبوا أو يربطوا هذا الاسم بشخصية الممثلة البالغة؛ فالزي الطفولي كان أقوى بكثير من الكلمة المنطوقة. لقد ساعدت هذه التغييرات الجذرية في اللباس المشاهدين وشخصيات الفيلم على تعليق عدم التصديق والتعامل معها كطفلة، مما يثبت أن ما يراه المرء بعينه يصبح أكثر صدقاً وإقناعاً من ما يسمعه بأذنه.

هذا التوظيف الذكي للأزياء يبرهن على وعي السينما الكلاسيكية بأهمية مصمم الأزياء كشريك رئيسي للمخرج في بناء الحقيقة الدرامية على الشاشة.

 

الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.

 

×