الخميس , 31 يوليو 2025 - 4:02 مساءً

لطفي لبيب... رحيل الأب الحنون على خشبة الحياة

الصورة بلطف عن الشبكة

الصورة بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: رانية مرجية

في صباحٍ ثقيلٍ على قلوب المحبين للفن النظيف، ترجل فارس المشهد الصامت، ومضى إلى حيث لا تُرفع الستائر ولا تُضاء الكواليس... مضى لطفي لبيب. ليس رحيلك مجرد خبر، بل فراغ موحش في الذاكرة الجمعية، وصدع في قلب الفن الذي آمنت به حد النُبل.

لطفي لبيب... ذاك الوجه المألوف، العابر بين المشاهد بخفة ظل لا تُدرّس، وأبوةٍ دافئة لا تمثَّل، بل تُعاش. لم يكن نجمًا صاخبًا، ولا باحثًا عن الأضواء، بل كان الضوء نفسه، هادئًا، دافئًا، ينساب في القلوب دون أن يطرق الباب.

وُلد لطفي حسني لبيب في 18 أغسطس 1947 بمدينة ببا بمحافظة بني سويف، في بيئة شجعت على المعرفة والثقافة. بدأ مسيرته التعليمية في كلية الزراعة تلبيةً لرغبة والده، لكن شغفه الحقيقي بالفن قاده إلى دراسة الفلسفة بجامعة عين شمس، ثم تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1970.

بعد تخرجه، تأخر انطلاقه الفني عشر سنوات، بسبب تجنيده لست سنوات في الجيش المصري. خدم في "الكتيبة 26"، وهي الكتيبة التي عبرت قناة السويس يوم السادس من أكتوبر 1973. شهد ظروفًا قاسية في الحرب، وقد وثق هذه التجربة العميقة في كتابه "الكتيبة 26" الذي أنتجه عن تجربته الخاصة بين سبتمبر 1973 وفبراير 1974.

رغم تخرجه في السبعينيات، لم يبدأ ظهوره الفني الفعلي إلا مطلع الثمانينيات، حين شارك في مسرحيات مثل "المغنية الصلعاء" و"الرهائن"، لتبدأ بعدها انطلاقته البطيئة نحو النجومية التي رسخت حضوره البارز في السينما والتلفزيون.

قدم لطفي لبيب أكثر من 380 عملًا فنيًا خلال مسيرته التي امتدت لأكثر من أربعة عقود، تنوعت بين المسرح والدراما والسينما والإذاعة. من أشهر أعماله السينمائية "السفارة في العمارة" (2005) مع عادل إمام، و"كده رضا"، "عسل أسود"، "أمير البحار"، "زهايمر"، "طير أنت"، و"مرعي البريمو" الذي شكل وسمًا لوداعه الفني بسبب تدهور حالته الصحية. في التلفزيون، تميز في مسلسلات مثل "صاحب السعادة"، "عفاريت عدلي علام"، "الخواجة عبد القادر"، "رأفت الهجان"، و"المال والبنون" وغيرها، حيث برع في تجسيد شخصيات الأب، والعقل البسيط، والمحامي، والموظف الرسمي بأسلوب حقيقي وإنساني.

لطفي لم يكن ممثلًا فقط، بل كان اختصارًا لضمير جيلٍ كامل، عاشَ وتألّم، فرحَ وبكى، دون أن يخذل جمهوره. رغم قصر أدواره في بعض الأحيان، كانت كلماته قليلة كثيفة، تؤثر دون أن تصرخ، وتغرس نفسها في الذاكرة كصدى قديم لصوت الطفولة، للأمان، للحكمة. في وجهه ترى ملامح مصر كلها: الطيبة، الشقاء، الدعابة المبطنة بالحكمة، والانكسار الذي لم يُهزم قط.

لطفي لبيب، الجندي الذي شارك في حرب أكتوبر، والفنان الذي قاتل ضد الرداءة، والإنسان الذي آمن بالمسرح رسالة لا مهنة... لم يكن يتصنع التواضع، بل كان تواضعه فطرة، وصبره سِمة، وكرامته موقفًا.

رحلت، لكننا ما زلنا نسمعك تهمس في الخلفية: "خليك طيب يا ابني... الخير دايم".

رحلت، لكن كل أب في عملك، كل صديق، كل مسؤول بسيط، ما زال حيًّا في ذاكرتنا، وفي وجدان أجيالٍ تربّت على حضورك النظيف في زمن ازدحم بالضوضاء.

نم بسلام، يا من كنت صوت الضمير وصورة النُبل. نم قرير العين، فقد قُمت بدورك كاملًا، وخرجت من المشهد الأخير شامخًا كما دخلته... بسيطًا، نقيًّا، إنسانيًّا.

وداعًا أيها الجميل... يا لطفي القلب قبل الاسم.

×