الاثنين , 29 سمتبمر 2025 - 1:40 صباحاً

بين القيم والواقع: هل نعيد التفكير في أنماطنا الاستهلاكية؟ (سامية عرموش تكتب)

الصورة من إعداد الذكاء الاصطناعي

الصورة من إعداد الذكاء الاصطناعي

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: سامية عرموش

تحدي الموضة السريعة في عصر الشراء الرقمي

من يتابع شبكات التواصل الاجتماعي يدرك مباشرة، وقبل البحث في المعطيات الرسمية، أن التوجه الاستهلاكي لمجتمعنا العربي، وخاصة الفئة الشابة، قد ضاعف نفسه عبر الشراء أونلاين. هذا الواقع تؤكده الأرقام؛ إذ تشير المعطيات إلى أن 71% من السكان العرب يتسوقون أونلاين، ويُعد الشباب بين 25 و34 عاماً القوة الدافعة لهذا التحول (تقرير "التجارة الإلكترونية في المجتمع العربي" لعام 2023، استناداً إلى بيانات شركات الائتمان). يتزامن هذا الواقع المحلي مع تحدٍ بيئي عالمي هو الأخطر على الإطلاق: صناعة "الأزياء السريعة" (Fast Fashion)، التي تُصنف كواحدة من أكثر الصناعات تلويثاً على كوكبنا.

انطلاقاً من هنا، ومن صميم المجتمع العربي، أطلق هذا النداء المحلي الذي يستمد قوته من سنوات من النشاط التوعوي، بما في ذلك المحاضرات ومعارض الملابس المستعملة. لقد أصبحت الدعوة إلى الاستدامة والمسؤولية اليوم ضرورة حتمية لتعميق الوعي البيئي والاقتصادي على حدٍ سواء.

 

أرقام عالمية تستدعي يقظة جماعية

إن الأثر البيئي لصناعة الأزياء السريعة لا يمكن تجاهله. إنها سلسلة تلوث عالمية، تتلخص معطياتها الصادمة فيما يلي:

  • انبعاثات الكربون: مسؤولة عن 8% إلى 10% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً.
  • هدر المياه: تُعد ثاني أكبر ملوث للمياه العذبة، حيث يتطلب إنتاج قميص قطني واحد نحو 2,700 لتر من الماء.
  • النفايات النسيجية: تنتج 92 مليون طن من النفايات النسيجية سنوياً، يُلقى 85% منها في مكبّات النفايات.

بالإضافة إلى ذلك، تروج هذه الصناعة لثقافة الاستهلاك السريع، حيث يُلبس الثوب في المتوسط 7 إلى 10 مرات فقط، ويُعاد تدوير 1% فقط من الملابس.

 

أنماط استهلاكنا المحلي: فرصة للتغيير

يُظهر استهلاكنا المحلي تزايداً في الاعتماد على المنصات الرقمية. فقد بلغت حصة المشتريات عبر الإنترنت في المجتمع العربي حوالي 15% من إجمالي حجم المبيعات بحلول عام 2024 (بيانات جوجل وشركة إيسراركارد     لعام 2024، في قفزة نوعية تؤكد اتجاه الشباب إلى الشراء السريع.

يتقاطع هذا مع بيانات الاستهلاك العام: ففي الوقت الذي تشير فيه معطيات دائرة الإحصاء المركزية (مسح نفقات الأسر لعام 2022) إلى أن الإنفاق الشهري على الاستهلاك للأسرة المسلمة يقل بحوالي 33% عن الأسرة اليهودية، نجد أن الإنفاق على الملابس والأحذية يشكل نسبة أعلى من ميزانية الأسرة العربية. هذا الواقع المالي يفرض علينا تبني خيارات أكثر استدامة، وهو ما يوفره السوق النشط للملابس المستعملة محلياً، الذي يمثل فرصة اقتصادية حقيقية للحد من الهدر.

 

الاستدامة: جوهر قيمنا الدينية

النداء لا يقتصر على الوعي البيئي، بل يتجذر في قيم دينية وأخلاقية مشتركة تدعو إلى الاعتدال وحماية الموارد:

  • في الإسلام: تُحرّم النصوص صراحة "الإسراف" وتعتبر الإنسان "خليفة" مسؤولاً عن الحفاظ على الأرض. كما أن النظافة تتجاوز الجسد لتشمل البيئة التي نعيش فيها. ويُروى عن النبي محمد ﷺ قوله: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها." — رواه أحمد.
  • وفي المسيحية: تُعد العناية بالخليقة مسؤولية روحية وأخلاقية، كما أكد عليها البابا فرنسيس في رسالته "كن مسبّحًا (Laudato Si')": "العناية بالخليقة هي مسؤولية أخلاقية وروحية، لأننا لا نستطيع أن نعتبر أنفسنا مؤمنين حقيقيين إذا أهملنا الأرض التي وهبنا الله إياها."
 

ثلاث خطوات نحو الوعي والمسؤولية

لتحقيق هذا التحول، يُدعى المجتمع، وخاصة الجيل الشاب الأكثر تأثراً بالشراء الرقمي، إلى تبني ثلاث ممارسات رئيسية:

  1. الشراء الواعي: تحويل التركيز من الكمية إلى الجودة وطول العمر، ومقاومة الإغراءات المتجددة للأزياء السريعة.
  2. دعم الملابس المستعملة: تعزيز ثقافة وسوق "اليد الثانية" كحل عملي واقتصادي يحد من التلوث.
  3. الإصلاح وإعادة التدوير: تمديد عمر الملابس القائمة من خلال الإصلاح والتجديد قبل التفكير في التخلص منها.

هذه الخطوات لا تحمي بيئتنا فحسب، بل تعيدنا إلى جوهر قيمنا التي تدعو إلى التوازن، الاعتدال، والمسؤولية تجاه الأرض والإنسان.

 

×