الاثنين , 28 يوليو 2025 - 12:53 صباحاً

في جلباب الماضي - بقلم: خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك

خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك

خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك

نحن البشر، تُشكل تصرفاتنا وأفكارنا ارتباطًا وثيقًا بما مرّ في حياتنا منذ الصغر. فغالبيتها ليست سوى ردود أفعال، أو نتاج لأحداث تراكمت في الذاكرة عبر السنين، لتنتظر اللحظة المناسبة وتخرج إلى مسرح الحياة بسلوك قد يكون مفهومًا أو غير مفهوم.

لا يمكننا أبدًا أن نتجرد من ماضينا، ولا يمكن أن نكون نتاج سنة أو اثنتين فحسب. فكل حدث نمر به يصقل شخصيتنا، يبني فينا قيمًا محددة، ويرسم مشاعر بعينها. ليست ذكريات الطفولة وحدها من تتحكم في تصرفاتنا، وليست هي الوحيدة التي تحوّل شخصًا من طبيعة إلى أخرى.

فعلى سبيل المثال، كسر الثقة قد يخلق إنسانًا تسيطر عليه مشاعر الشك، ويفقد القدرة على بناء علاقات جديدة مع الآخرين، ليُفضل بعدها نمطًا انسحابيًا يعتمد على الحد الأدنى من التعاملات الاجتماعية.

معظم المشاكل النفسية تنبع من أحداث مؤلمة تعرض لها الشخص؛ إصابات نفسية متكررة تُحدث لديه ندوبًا عميقة لا يستطيع الخروج منها أو تجاوزها، لا ظاهريًا ولا داخليًا.

نحن بشر ولسنا كالأشجار التي تتساقط أوراقها في الخريف لتنمو مجددًا في الربيع، ترتدي حُلّة جديدة لا علاقة لها بما تخلت عنه. فمن يراهن على الزمن لمحو ذكريات أو أحداث تسبّب فيها بضرر لغيره، هو كمن يراهن على استمرار شمس آذار طوال الشهر أو اليوم.

عندما نحاسب الآخرين بادعاء الحقد أو عدم النسيان، غالبًا ما نتناسى الألم الذي تسببنا به لهم، ونطالبهم بالنسيان. هذا خطأ فادح؛ أن تتناسى أفعالك مع الآخرين وتراهن على الأيام لمحو ما فعلت، متناسيًا السهر، الدموع، والألم الذي أحدثته.

الإنسان هو نتاج كل ما مر به من أحداث. مشاعرنا، حبنا، خوفنا؛ كلها ردود أفعال لماضٍ قد يكون قريبًا وقد يكون بعيدًا. أحيانًا نحاول أن نغلق الباب على الماضي لنبدأ من جديد، لكن ذلك غالبًا ما يكون مجاملة أو تناسيًا مؤقتًا.

إذا أردت تحليل الحاضر، ارجع قليلًا للوراء، وتأمل الصورة بتفاصيلها الدقيقة، بألوانها، وحتى شمسها إن وجدت. ابتعد عن الإطار الخارجي، فهو ليس إلا سياجًا يحمي تلك التفاصيل الجوهرية.

×