الجمعة , 29 مارس 2024 - 6:02 مساءً

السينما بشكل حاد ….. موجة التعبيرية الألمانية!

السينما بشكل حاد ….. موجة التعبيرية الألمانية!

السينما بشكل حاد ….. موجة التعبيرية الألمانية!

السينما بشكل حاد ….. موجة التعبيرية الألمانية!

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

سبق للمخرج الأمريكي الكبير وأحد مؤسسي المونتاج السينمائي ديفيد غريفيث أن وصف في العشرينات مدرستين عظيمتين حينها هما الأمريكية والألمانية ثم قال  ( إن المدرسة الأمريكية تقول لك تعال واحصل على تجربة عظيمة بينما المدرسة الألمانية تقول لك تعال وشاهد تجربة عظيمة ) .

سبق الحديث  عن الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية باعتبارهما حركتين سينمائيتين صنعتا الكثير من الأثر على السينما العالمية حتى يومنا هذا واشتركتا في كونهما نتيجة وضع سياسي وترقب اجتماعي وسبر للحالة الفنية حينها . وهنا يمكننا أن نعرج على نفس هذا المستوى تجاه حركة أخرى لاتقل تأثيرا لكنها تبدو أكثر سبقا وربما أكثر تحديدا في مستوى التأثير البصري وهي التعبيرية الألمانية التي جاءت مابين الحربين العالميتين كردة فعل للحركة الانطباعية والطبيعية في الفنون عامة ثم تسللت إلى السينما كما يقول هيرمان وارم ( ينبغي أن تكون الأفلام رسوما تنفتح فيها الحياة ) .

وبالرغم من أن السينما في ألمانيا في بداياتها كما يشير ديفيد روبنسون في كتابه تاريخ السينما العالمية كانت ذات سمعة سيئة تتجنبها النخب الاجتماعية الراقية والمثقفة لزمن أطول كثيرا مما يحدث في البلدان الأخرى حتى أن رابطة مخرجي مسرح برلين كانت ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام حتى عام 1912 قبل أن يتغير الموقف وفق مجموعة أحداث متتالية منها ظهور التعبيرية التي تزاوج مابين الأداء المسرحي والتشكيل الرسومي باستخدام الظل والضؤ والمعنى الشاعري والرومانسي وهذا ماسيتجلى كثيرا في أبرز امثلة أفلام التعبيرية الألمانية وهو ( عيادة الدكتور كاليجاري / The Cabinet of Dr. Caligari ) عام 1920 والذي يقول عنه أنطون كايز بأنه ( بداية لدخول السينما الألمانية السوق العالمية الأوربية ) بعد أن كانت نائية بسبب الحرب والعداء مع بعض الدول الأوربية ومقتصرة على نوعية محددة من أفلام البروباغندا وغيرها .

وهنا علينا أن نعود للتعريف الأساسي لمعنى التعبيرية ومن ثم معاينة الأمر مع فيلم روبيرت واين الشهير هذا .

حيث ترجع جذور المدرسة التعبيرية إلى رسامين عظام من مثل «فنسنت فان جوخ»  و«إدفارد مونك» و«جيمس إنسور» الذين استغلوا الإمكانيات التعبيرية للألوان والخطوط لاستكشاف الموضوعات الدرامية والعاطفية، لتصوير ملامح الخوف والرعب والمشهد الغرائبي الذي يعبر عن حالة من الهلوسة او الهذيان والتوهم بحيث يصبح التعبير أكثر ذاتية وخصوصية لديهم من حيث إبراز المبالغة وملامسة التشويه والفانتازية في التعبير.

ومن هنا يمكن أن نرى مالذي عمله روبيرت وأين بشكل حاد في أحد اشهر الأفلام في تاريخ السينما -بغض النظر عن الاختلاف حول الفيلم الأول لهذا التوجه – لدرجة ان الفرنسيين أطلقوا مصطلح ( الكاليجارية ) على هذا النوع من التعبير . يقول أنطوان كايز في مقاله عن “سينما فينما ومأزق الحداثة”  (كانت التعبيرية قد أصبحت مصطلحا عاما لأسلوب بصري يصدم المشاهدين كمصدر للقلق والغرابة , أسلوب أكد على تمزق الروايات وانقسام الشخصيات وتسليط الضوء على الحالات النفسية القصوى ).

تحكي قصة الفيلم جنون الدكتور كاليجاري الذي يستخدم مساعده بعد تنويمه مغناطيسيا للقيام بعمليات قتل في القرية التي يعيش فيها . وبطبيعة الحال لايمكن إغفال المعنى المضمر في الفيلم تجاه الحرب والتجنيد وعنابر العلاج العقلي في الحرب العالمية الأولى حينما أساء الأطباء معاملة الجنود المصابين . هذا مجمل القصة لكن كيف رواها وأظهرها روبيرت وأين ليجعل من هذا الفيلم المثال الأول في التعبيرية ؟!

لقد عمد روبيرت واين  سعيا منه لتقديم انطباعا للمشاهد وكأنه يرى الفيلم من منظور رجل مجنون لصنع ديكور شديد الغرابة متميز بحدته الواضحة  تعبيرا عما يدور في ذهن البطل حيث اعتمد الرسم على قطع أقمشة كبيرة بدلا من بناء الديكور كما قام برسم الظلال بشكل مباشر وليس اعتمادا على إسقاط الضؤ . فيما يصف الناقد روجر ايبرت الفيلم (إن الممثلين يسكنون مشهدًا متعرجًا تملأه زوايا حادة وجدران ونوافذ مائلة، وسلالم ذات انحدارات جنونية، وأشجار ذات أوراق مدببة، وحشائش تبدو كالسكاكين)

وبطبيعة الحال يمكننا ملاحظة أثر هذا الفيلم وغيره من أفلام التعبيرية الألمانية ولو بشكل أقل مثل فيلم مورناو عام 1922 ( نوسفراتو /  Nosferatu ) وفيلم فريتز لانج عام 1927 (  ميتروبوليس /  Metropolis ) وغيرها , سواء على المستوى المعنوي في التعبير او البصري بشكل أكبر وصناعة الأجواء القاتمة والموحية بالاضطراب والريبة  من خلال عدد من الأفلام حتى وقتنا هذا مثل أفلام الرعب والفانتازيا وأفلام النوار التي تعتمد الظل كجزء أساسي في المشهديات . وحتى على مخرجين كبار سواء قديما مثل العظيم هتشكوك أو حديثا مثل تيم بورتون .

 

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

×