السبت , 27 ديسمبر 2025 - 12:30 صباحاً

جلابية «هنومة» من الرمزية الطبقية إلى «المحاكاة» البودريارية: كيف استهلكت الكليبات ذاكرة السينما؟

الصور بلطف عن الشبكة

الصور بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: سامية عرموش

يُعدّ فيلم «باب الحديد» (1958)، للمخرج يوسف شاهين، علامة فارقة صُنفت ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية والعالمية. وبعيداً عن دوره في رفع الوعي العمالي، يبرز جانب بصري رَسخ في الذاكرة الجمعية: زي «هنومة»، بائعة المثلجات التي جسّدتها هند رستم، والتي تحولت من رمز للتهميش إلى أيقونة للمحاكاة المعاصرة.

الصعود من التهميش إلى الأيقونية

في فضاء محطة القطار الصاخب، ارتدت هند رستم جلابية مخططة مهملة، لم تكن مجرد تفصيل بصري، بل كانت ترميزاً طبقياً واضحاً للفقر والهامش الاجتماعي. المفارقة تكمن في أن هذا الزي، المرتبط أصلاً بجسدٍ مهمَّش، تحول مع الزمن إلى أيقونة جمالية استُلهمت لاحقاً من قِبل نجمات ينتمين إلى نقيض هذا العالم الطبقي.

استدعاء الأيقونة: نانسي وهيفاء

تحولت هذه الإطلالة إلى "موديل" مُحتذى في عالم الفيديو كليب اللبناني:

• نانسي عجرم (2004): في كليب «آه ونص»، قدّمت محاكاة مباشرة لزي «هنومة» بروح بصرية مطابقة.

• هيفاء وهبي (2006): في كليب «تيجي إزاي»، استعادت الزي والفضاء المكاني (مقطورة القطار)، لتدخل في حوار بصري مباشر مع النص الأصلي.

بودريار وظاهرة المحاكاة: من الرمز إلى الصورة المُعاد تدويرها

هنا يبرز الجوهر الفلسفي للمقال، حيث يمكن قراءة هذا التحول عبر نظرية المحاكاة (Simulation) للفيلسوف الفرنسي جان بودريار:

1. السياق الأصلي (الرمز): أدت الجلابية وظيفة درامية تعبر عن الفقر والاختناق الاجتماعي.

2. السياق المعاصر (المحاكاة): عند إعادة إنتاجها في كليب استعراضي، تُجرّد الجلابية من بعدها الاجتماعي وتتحول إلى «صورة مُحاكاة» (Simulacrum).

حسب بودريار، لا تعود الجلابية تمثيلاً لواقع اجتماعي، بل تصبح "إشارة إلى إشارة"، وصورة تستحضر الماضي كقشرة بصرية دون أن تحمله فعلياً.

هل تموت الأيقونة أم تعيش بالاستنساخ؟

يثير هذا التحول سؤالاً بودريارياً بامتياز: هل نحن أمام إحياء للأيقونة أم أمام «موت الموت الرمزي»؟

في هذه الحالة، لا يموت الأصل فعلياً، بل يستمر في الوجود عبر نسخ متتالية تفقد معناها الأول، لتتحول «جلابية هنومة» من رمز للمعاناة إلى ذاكرة مُعلّبة تُستدعى فقط لجذب الانتباه البصري.

نوستالجيا أصيلة أم استهلاك للذاكرة؟

يبقى السؤال مفتوحاً: هل كان استدعاء شخصية «هنومة» دافعه الحنين الصادق؟ أم أنه مجرد استثمار لجمالية بصرية راسخة نتيجة عجز إبداعي عن إنتاج رموز جديدة بقوة الماضي؟

ملاحظة ختامية:

لخصت الراحلة هند رستم هذه الفجوة بدقة حين علقت على تقليد نانسي وهيفاء لها قائلة: «سعدت جداً.. ولكن ولا واحدة منهن تشبهني». وهو تعليق يجسد المسافة بين الأصل الأيقوني والنسخ المحاكية: تشابه في الشكل، وانفصال تام في المعنى.

تنويه

هذا المقال هو ثمرة مُقرّر أكاديمي قُدِّم ضمن دراستي لدرجة الماجستير عام 2015، وتمت إعادة صياغته وتوسيعه ليتلاءم مع النشر الحالي.

×