الخميس , 13 نوفمبر 2025 - 12:07 صباحاً

خلف الأضواء: كيف تحرق صفقات "بلاك فرايدي" موارد الكوكب؟

تم إنشاء الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

تم إنشاء الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

سامية عرموش

تُعدّ "الجمعة السوداء" (Black Friday) موسم التسوق الأبرز عالميًا، ومهرجانًا استهلاكيًا هائلاً تُنفق فيه المليارات في ساعات قليلة، مما يرتبط بتأثير بيئي ومناخي مباشر. ففي ظل إنفاق المستهلكين الأمريكيين نحو 9.12 مليار دولار عبر الإنترنت، تتفاقم النزعة الاستهلاكية وتلقي بظلالها على الكوكب.

الكلفة البيئية للاستهلاك المفرط

تُظهر الدراسات أن لهذا اليوم تأثيرًا كارثيًا؛ حيث يُقدر أن عمليات تسليم البضائع تولّد نحو 429 ألف طن من غازات الدفيئة سنويًا. ويساهم قطاع التجزئة بنحو 25% من انبعاثات الكربون العالمية. الطلب الجنوني يرفع الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري. كما تتفاقم أزمة النفايات؛ إذ تزداد النفايات المنزلية بنسبة 25% في الفترة الممتدة من الجمعة السوداء حتى رأس السنة، وتنتج كميات هائلة من نفايات التغليف البلاستيكية. وتُعدّ المرتجعات مشكلة بيئية كبرى، حيث تصل كلفتها البيئية إلى 30% أعلى من التسليم الأولي بسبب اللوجستيات كثيفة الاستهلاك للطاقة.(مصادر الكترونية).

ثقافة "التخلص السريع"

تعزز الخصومات الكبيرة الشراء الاندفاعي والاستهلاك المفرط، مما يدفع المتسوقين لشراء أجهزة جديدة بدلاً من إصلاح القديمة. العمر القصير للمنتجات يثير المخاوف، حيث تشير الدراسات إلى أن نحو 80% من العناصر المشتراة يتم التخلص منها بعد عدة استخدامات قليلة، لتنتهي في مدافن النفايات أو الحرق. على سبيل المثال، تم التخلص من 5.3 مليار هاتف محمول في عام 2022 دون إعادة تدوير معظمها(مصادر الكترونية).

الاستهلاك في إسرائيل: توطين الظاهرة والمقاومة المحلية

في إسرائيل، تم توطين الظاهرة عبر مبادرات مثل "Shopping IL" لتهيئة المستهلكين لموجات التخفيضات العالمية. شهدت البلاد نموًا في الإنفاق، حيث بلغت النفقات في الجمعة السوداء لعام 2024 نحو 1.2 مليار شيكل إسرائيلي. وتصدرت فئتا الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات قائمة المشتريات. وتلعب تقنيات الدفع الميسرة دورًا في دفع المستهلكين للشراء أكثر مما يخططون.(موقع والا العبري walla)

أنماط استهلاكنا المحلي: فرصة للتغيير

يُظهر الاستهلاك المحلي تزايدًا في الاعتماد على المنصات الرقمية؛ حيث بلغت حصة المشتريات عبر الإنترنت في المجتمع العربي حوالي 15% من إجمالي المبيعات.(بيانات جوجل وشركة إيسراركارد لعام 2024) ورغم أن الإنفاق الشهري للأسرة المسلمة يقل بحوالي 33% عن الأسرة اليهودية،(دائرة الإحصاء المركزية، 2022) إلا أن الإنفاق على الملابس والأحذية يشكل نسبة أعلى من ميزانية الأسرة العربية. هذا الواقع يفرض تبني خيارات أكثر استدامة، مثل السوق النشط للملابس المستعملة محليًا، الذي يمثل فرصة للحد من الهدر.

مبادرات محلية: الجمعة الخضراء في حيفا

انطلاقاً من المبادرات العالمية للتوعية بالاستهلاك الصديق للبيئة، سيستضيف "مركز طبريا 15 الجماهيري" في حيفا فعالية "الجمعة الخضراء" (Green Friday). هذه المبادرة المجتمعية ستقدم بديلاً مباشراً لجنون التسوق، وتهدف إلى تعزيز الاستهلاك المستدام من خلال تنظيم سوق "خذ-واعطي" للتبادل المجاني، لتشجيع الأفراد على تبادل السلع وتقليل النفايات وتعزيز الاقتصاد الدائري.(موقع حيفا24نت)

البدائل المستدامة ودعوات المقاطعة العالمية

في مواجهة الاستهلاك المفرط، ظهرت حركات مقاومة عالمية، تتركز في الدول الغربية وأوروبا. ففي فرنسا، تصاعدت الدعوات لحظر الجمعة السوداء لوقف "هدر الموارد" والاستهلاك الزائد، ووقعت مظاهرات ضد عمالقة التجارة الإلكترونية.

في المقابل، ظهرت مبادرات مستدامة تهدف لتغيير العادات:

  • الجمعة الخضراء (Green Friday): نشأت في المملكة المتحدة وفرنسا كبديل، وتشجع على المقاطعة أو تبني ممارسات مستدامة، مثل حملات استبدال الأجهزة القديمة لإعادة تدويرها.
  • الجمعة الزرقاء (Blue Friday): مبادرة عالمية تشجع على التسوق المسؤول، دعم العلامات التجارية الصديقة للبيئة، والتبرع لجهود الحفاظ على المحيطات.

وتدعو الجهود الأكاديمية ونشطاء المناخ إلى الانتقال نحو "الاقتصاد الدائري"، حيث تكون المنتجات طويلة الأمد والقابلة للإصلاح هي القاعدة، لتغيير هذا النظام الاستهلاكي الذي تُشكل فيه فاتورة البيئة باهظة الثمن.

 

 

الكاتبة هي إعلامية ، محاضرة مستقلة وناشطة بيئية من حيفا، حاصلة على الماجستير في الثقافة السينمائية. تلقي محاضرات حول السينما كأداة للتغيير الاجتماعي، وكذلك حول الاستدامة والاستهلاك المسؤول، بادرت بتنظيم معارض للملابس المستعملة (يد ثانية) لتعزيز البدائل البيئية في المجتمع العربي.

×