الجمعة , 17 أكتوبر 2025 - 7:23 مساءً

القصيدة كفيلم: قراءة سينمائية لدراما الزقاق

القصيدة كفيلم: قراءة سينمائية لدراما الزقاق

القصيدة كفيلم: قراءة سينمائية لدراما الزقاق

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: مندوبة حيفا24نت 

مدخل بصري إلى النص الشعري

في قصيدته "جثة الزقاق"، يقدم الشاعر العراقي كاظم حسن سعيد نصاً شعرياً مكثفاً يمكن قراءته كما يُشاهد فيلم سينمائي. القصيدة ليست مجرد تأمل في تحولات اجتماعية، بل هي سرد بصري درامي يرصد انحدار مجتمع حيّ من ذروة الانفتاح إلى قاع الانطفاء. عبر مشهدين متضادين، يصوغ الشاعر مرثية لزقاق كان ينبض بالحياة، ثم تحول إلى جثة هامدة، مغلقة على نفسها.

 

المشهد الأول: زقاق ينبض بالحياة

يفتتح النص بمشهد بانورامي لزقاق شعبي، يعج بالحركة والضجيج، وكأنه مسرح مفتوح للحياة اليومية. الأبواب مشرعة، لا تعرف الأقفال، والأصوات تتداخل بلا حواجز: رقص، طبول، صراخ، همسات، خطط خماسية، وحتى رائحة الخمر تتسلل من النوافذ الخشبية. العشق فيه سهل، يكفي صفير ليظهر الحبيب، والأنوثة تتجلى بين السياط والحنان.

الزقاق هنا فضاء مكشوف، حي، يتنفس بحرية. حتى الفوضى تُقدَّم كعلامة على حيوية اجتماعية، حيث الشجار بلا دماء، وسرعان ما يُنسى. إنه مجتمع يتداخل فيه الخاص والعام، وتُسمع فيه الأسرار عبر الجدران، دون خوف أو تحفظ.

 

المشهد الثاني: انطفاء تدريجي

ثم، وبقطع سينمائي مفاجئ، ينتقل النص إلى مشهد قاتم. الزقاق ذاته يبدأ بالاحتضار، ليس فجأة، بل عبر "عمليات تقطير بطيئة". الأصوات تتقلص، الذئاب تتجول، والصمت ينتصر. البيوت تتحول إلى "قنافذ"، ترفع "رماحها لأبسط حركة"، ثم تصبح "قلاعاً سرية عصية". الأبواب تُغلق إلى الأبد، والحركة تنقرض، والأواصر تتهاوى.

هنا، تتحول الكاميرا إلى لقطات ضيقة، مظلمة، تبرز النوافذ كأشواك، وتُظهر البيوت ككتل صخرية مغلقة. الصوت يختفي، ويحل محله صمت ثقيل لا يقطعه سوى الريح، ما يخلق إحساساً عميقاً بالاحتضار.

 

مونتاج التضاد: من الضوء إلى الظل

القصيدة تُبنى على مونتاج بصري متضاد:

•           المشهد الأول: لقطة واسعة في ضوء النهار أو ليل دافئ، بكاميرا متحركة تلاحق تفاصيل الحياة، من الأطفال إلى العشاق، ومن النوافذ إلى الشجارات. المونتاج سريع، يؤكد على الفوضى الحميمية والشفافية العاطفية.

•           المشهد الثاني: لقطة ضيقة في ظلام بارد، حيث تتحول البيوت إلى قلاع مغلقة، والنوافذ إلى أشواك. الصوت يختفي، ويحل محله صمت مطبق، يعمّق الإحساس بالانطفاء.

هذا التضاد البصري يعكس التحول النفسي والاجتماعي، ويجعل من القصيدة تجربة سينمائية كاملة، تُشاهد كما تُقرأ.

 

نقد فني: رمزية الصورة وقوة البناء

تكمن قوة القصيدة في بنائها الدرامي ولغتها المكثفة. العنوان نفسه "جثة الزقاق" هو استعارة بليغة لموت المجتمع. من أبرز الصور الرمزية "البيوت القنافذ"، التي تُعد من أروع الاستعارات المعاصرة للتعبير عن الانغلاق والخوف المتبادل. القصيدة ترصد لحظة التحول من العفوية إلى العزلة، وتقدم تشريحاً دقيقاً لانهيار الروابط الاجتماعية، بلغة شعرية مشحونة بطاقة بصرية.

 

عن الشاعر: كاظم حسن سعيد

كاظم حسن سعيد هو شاعر وأديب وصحفي عراقي، يتميز بإنتاج أدبي متنوع يشمل الشعر والسرد والمذكرات، خاصة أدب السجون، كما في كتابه "جحيم المعتقلات في العراق". أسلوبه يجمع بين السرد الوثائقي واللغة الشعرية، ويعكس طاقة نابعة من تجارب الكبت والانغلاق. يرى الكتابة فعلاً مقاوماً وواجباً إنسانياً، لا ترفاً فكرياً، ويولي اهتماماً خاصاً لرصد تحولات العصر وجنونه

 

لقراءة القصيدة ومتابعة حساب الشاعر العراقي كاظم حسن سعيد:

https://www.facebook.com/share/p/1A3c6seBZ3/

 

×