الخميس , 26 يونيو 2025 - 11:59 مساءً

أيمن عودة… حين يُقصى الصوت الحر من كنيست الاحتلال - بقلم: رانية مرجية

النائب أيمن عودة

النائب أيمن عودة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: رانية مرجية

لم يُقصِ الاحتلال الإسرائيلي أيمن عودة من الكنيست لأنه فاسد. ولم يُزَحْه لأنه متطرف. أقصوه لأنه قال الحقيقة. والحقيقة في هذه البلاد تُعدّ تهمة.

أنا، رانية مرجية، ابنة الرملة، لا أنتمي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، ولا أتفق مع أيديولوجيته، ولا أنكر مآخذي عليه، كما لا أتعامل مع الكنيست كفضاء سياسي نقيّ. ولكنني، برغم كل ذلك، لا أستطيع أن أبقى صامتة أمام هذا الإقصاء الذي طال أحد آخر الأصوات التي ما زالت تقف في وجه السيل، وتقول: “أنا هنا… فلسطيني، وأرفض”.

أيمن عودة، الذي دخل الكنيست لا حبًّا فيه، بل التزامًا منه بأن يكون صدى لنبض الناس في عكا وأم الفحم والطيبة، لم يقبل أن يتحوّل إلى ديكور في مسرح ديمقراطي زائف. ولم يكن في أي لحظة تابعًا، ولا مسترضيًا، بل ظلّ يمشي في خطّ التوازن المستحيل: بين التمثيل البرلماني وكرامة الانتماء.

لقد أرادوا إخراسه، لا فقط إخراجه. أرادوه نموذجًا للفشل، عقوبةً لكل من يتجرأ على رفض الإجماع الصهيوني، ولكل من لا يصوّت وفق أهواء الأجهزة، أو لا يساير الرواية الرسمية التي ترى في الاحتلال “أمنًا”، وفي المقاومة “تحريضًا”.

لكن ما لا يدركونه أن أيمن لم يكن فقط نائبًا، بل مرآة للناس، لهؤلاء الذين يحملون جوازات سفر زرقاء، ولكنهم في قلوبهم وضمائرهم فلسطينيون حتى العظم.

وقد رفض أن يكون شاهد زور في مسرح كنيست يُمرّر القوانين العنصرية بدم بارد، ويشرعن تهجيرنا وهم يبتسمون.

وما يجب أن يُقال بصوت واضح: إن إقصاء أي نائب عربي، وملاحقته، وإهانته، هي ليست مجرد إجراءات ضد شخصه، بل هي إهانة غير مباشرة لكل من صوّت له، وكل من اختاره ليكون ممثله. إن هذه الممارسات البغضاء بحق الممثلين العرب في الكنيست، موجهة إلينا نحن، الناخبين، الفلسطينيين الباقين في وطنٍ لم يعد يعترف حتى بشبح مواطنتنا.

يريدون القول لنا بوضوح: حتى من تنتخبونه، لن يُسمح له بأن يرفع صوته.

وإنكم، أنتم أيضًا، مُقصَون وإن كنتم صامتين.

إن ما حدث مع أيمن عودة هو درس جديد في كيفية تعامُل “ديمقراطية” الاحتلال مع كل من يحاول أن ينطق باسم الحق، ولو همسًا. وقد اختاروا أن يُقصوه بعد أن كشف بوضوح معاداته لقانون القومية، ورفضه لمسيرة الفاشيين في قلب أحياء القدس، وإصراره أن يقول ما لا يريدون أن يسمعوه.

لن أقول إنني أتفق معه دائمًا. بل خالفته مرارًا، وانتقدته أحيانًا. لكنني لن أتنكّر للحظة لكونه من القلائل الذين وقفوا في الكنيست، وسمّوا الأشياء بأسمائها، وأحرجوا السقف الذي يخيّطونه فوق رؤوسنا كي نختنق تحت اسم “المواطنة”.

أيمن عودة لم يُقصَ من الكنيست فقط، بل من مشهد سياسي لا يحتمل الحقيقة. لكنّ الحقيقة تبقى، لأنها لا تسكن المقعد، بل الضمير.

وهذا الصوت، مهما أرادوا إسكاته، سيبقى، لأنّه خرج من جراح الناس، لا من دهاليز السلطة.

في زمن المساومات، وفي عصر النواب الصامتين، يبقى أيمن مثالًا لمن آمن أن الكنيست ليس مكانًا للراحة، بل ساحة نضال يجب أن تُستغل، طالما وُجد فيها من يرفض أن ينحني.

وأنا أقولها اليوم بصراحة:

قد لا أنتمي إلى حزبه، وقد لا أتفق معه فكريًا، ولكنني أنحني احترامًا لصدق صوته، لأن الحرية لا تكون بالتشابه، بل بالاختلاف الشريف.

فشكرًا أيمن، لأنك صرخت حين صمتَ الآخرون. ولأنك رفضت، حين اختاروا التواطؤ.

ولأنك ذكّرتنا، ونحن نكاد ننسى، أن الكلمة، حين تكون حرة، أقوى من أي مقعد.

رانية مرجية

كاتبة فلسطينية

الرملة – حزيران 2025

×