هند صبري ومصر: صوت الضمير في زمن الأزمات - كتبت: سامية عرموش

الصورة: بلطف عن حساب الفنانة هند صبري.
كتبت: سامية عرموش
من الغريب والمشين حقًا أن تظهر أصوات تطالب بالترحيل في مصر، تلك الأرض العريقة التي لطالما كانت ملاذًا آمنًا وملهمًا للفنانين والكتاب على مر العصور. فمصر، التي استقبلت مبدعين من كل حدب وصوب وأثرت فيهم كما أثروا فيها، وكانت مأوى لشخصيات بارزة كالأميرة علياء المنذر وأولادها الذين أصبحوا من أبرز فناني الوطن العربي، الموسيقار فريد الأطرش والمطربة أسمهان، بعد أن فرت الأم من الاحتلال الفرنسي لحماية أطفالها. مصر التي أنجبت قامات كان لها موقفها المشرف من القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية. تاريخ الفن المصري نفسه يشهد على هذه المواقف، كما رأينا ذلك من فنانين كثر مثل تحية كاريوكا، التي شاركت بنفسها في أسطول لكسر الحصار انطلق من اليونان. كيف يمكن أن ينشأ هذا التنافر في أرض هذا التاريخ العريق؟
وفي هذا السياق، تبرز مطالبات بترحيل فنانة بحجم هند صبري من مصر، لمجرد أنها عبرت عن رأيها ودعمها لقافلة "الصمود" المتجهة من تونس إلى غزة. هذا الموقف، الذي يأتي في إطار تضامن إنساني مع محنة غزة، يواجه ردود فعل تدعو لإبعاد فنانة تتمتع بجنسيتين وتاريخ طويل من العطاء الفني والإنساني في مصر والعالم العربي.
إن المطالبة بترحيل فنانة بسبب موقفها الشخصي هي خطوة خطيرة تتعارض مع مبادئ حرية التعبير، وتهدد بفرض وصاية على آراء الأفراد، خاصة في أوقات الأزمات التي تتطلب تكاتفًا وتفهمًا أكبر. لطالما كان الفن مرآة تعكس الواقع ومساحة للتعبير عن الضمير الإنساني، وتقييد هذا التعبير يفقده جوهره.
بدلًا من مطالبة الفنانة بالرحيل، ربما يجب أن نتساءل: هل بات التعبير عن التضامن الإنساني جريمة تستوجب العقاب؟ وهل نسينا أن هؤلاء الفنانين هم جزء لا يتجزأ من نسيج مجتمعاتنا، وأن آراءهم ومواقفهم غالبًا ما تنبع من حس إنساني عميق؟
في زمن تتزايد فيه التحديات، نحتاج إلى مزيد من الحوار والتفهم، وإلى احترام مساحات التعبير التي تتيح للجميع التعامل مع القلق بطرقهم الخاصة، دون خوف من التضييق أو التهديد. إن المطالبة بترحيل فنانة مرموقة بسبب موقف إنساني هو تصرف لا يخدم إلا تفكيك النسيج الاجتماعي، ويُفقدنا جزءًا من قيم التسامح والقبول بالآخر.
في النهاية، علينا أن نتذكر أن التعبير عن الرأي، حتى لو اختلفنا معه، هو جزء أساسي من مجتمع حي وصحي. فلنتوقف عن مطالبة الآخرين بالرحيل بسبب مواقفهم، ولنبدأ في فتح باب للحوار البناء، حتى نتمكن جميعًا من تجاوز هذه الأوقات الصعبة بتعاضد وتفهم أكبر.
الصورة: بلطف عن حساب الفنانة هند صبري.
الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.