الجمعة , 06 يونيو 2025 - 10:42 صباحاً

هيلن مرجي… حين يتحوّل الخشب إلى صلاةٍ على هيئة فن

هيلن مرجي ورانية مرجية

هيلن مرجي ورانية مرجية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: رانية مرجية

في زمن تتكالب فيه القسوة على أرواحنا من كل صوب، تخرج إلينا سيدة أردنية اسمها هيلن مرجي، لا لتخطب أو تثير جدلًا على مواقع التواصل، بل لتُشعل بيدها المحترقة بالشغف جمرة الفن النقي، فنّ الحرق على الخشب، فتجعل من قطعةٍ ميتة مادةً حيّة تُبكي وتُبهج وتُبقي الإنسان إنسانًا.

هيلن مرجي، الفنانة التشكيلية والمعلمة والمربية، والأهم، الإنسانة التي تعيد تعريف الفن كرسالة محبة وعطاء لا ينضب. لم تأتِ من نخبة غارقة في العزلة، بل من قلب الأردن النابض في مدينة إربد، المدينة التي تشبهها: بسيطة، أصيلة، وعميقة.

جلستُ معها لساعاتٍ في مرسمها الصغير الذي يشبه محرابًا، حيث لا يعلو سوى صوت الخشب وهو يُستسلم لأداة الحرق، وحيث لا شيء يُشبه هذا التوهّج في عينيها وهي تقول لي:
“أنا ما بحرق الخشب… أنا بطلّع روحه.”

هناك، عرفتُ أني لا أمام فنانة وحسب، بل أمام امرأة من ذهب، مخلصة لرسالتها، لعائلتها، لوطنها، وللكرامة التي تحاول اليوم أن تتوارى خجلاً.

هيلن مرجي عملت ثلاثين عامًا في سلك التعليم، علمت الأجيال كيف يحبّون الفن لا من أجل الدرجات، بل من أجل إنقاذ أرواحهم من التشوه. وحين تقاعدت، لم تتقاعد روحها. بل بدأت من جديد، علمت الأطفال في الجمعيات والمراكز، دعمت كبار السن، قدّمت ورشًا تطوعية لكل من كان محتاجًا إلى نافذة تطل به على شيء جميل.

رأيتُ بيديّ، كيف تلتقط قطعة خشب بسيطة، ربما منسية في الزاوية، وتحولها ببطء وحنان إلى لوحةٍ مدهشة، لوحةٍ تنطق، تهمس، تروي، وتخاطب. في كل عمل لها، بورتريه أو منظر طبيعي، يوجد قلب. قلب امرأة تؤمن أن الجمال دواء، وأن من حُرِم من التعبير قد يُحرم من الحياة.

وقفت أمام أعمالها، كما يقف المصلّي أمام أيقونة. شعرت أن كل لوحة لها تعرّينا نحن — تعرّي وجعنا، وخوفنا، وطفولتنا، وهويتنا.

وحين خرجتُ من زيارتها، كان داخلي مشحونًا بطاقةٍ لم أعرفها من قبل. كنتُ ممتلئة بالحزن النبيل، بالدهشة، بالحب، وبالفخر.

نعم، أنا فخورة بكِ يا هيلن مرجي.
فخورة بكِ كأردنية تشق طريقها لا بالتملق، بل بالعرق.
فخورة بكِ لأنكِ تنحتين الفن من الرماد، وتمنحين الخشب روحًا.
فخورة بكِ لأنكِ بقيتِ حقيقية، إنسانية، ومضيئة في زمن صار فيه كل شيء قابلاً للبيع.
فخورة بكِ لأنكِ حين تُعلمين الفن، تزرعين شجرة.

وهل هناك أهم من شجرة في هذا العالم؟

هيلن مرجي، يا شمعة الفن الأردني، يا ابنة إربد التي لا تنام، ويا صديقة الروح…
لك مني ومن كل من مرّ بمرسمك أو شاهد أعمالك، قبلة على جبينك، ومقالًا لا يفيكِ حقك، لكنه يحاول أن يُضيء شيئًا من وهجك العظيم

×