الأحد , 01 يونيو 2025 - 10:38 صباحاً

قراءة في زمن القيادات العمياء

نجاة المصادفة أم وعيُ المسار؟ بقلم: رانية مرجية

نجاة المصادفة أم وعيُ المسار؟ بقلم: رانية مرجية

نجاة المصادفة أم وعيُ المسار؟ بقلم: رانية مرجية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

“حين يقود العمى القافلة، يصبح كل منعطفٍ إنجازًا.”

مثلٌ يوناني قديم، لا يزال نابضًا بالمعنى، متقدًا في وجدان الشعوب، شديد الصلة بواقعنا العربي عمومًا، والفلسطيني خصوصًا، في لحظات الشدّة والتيه والتخبّط.

في هذا القول البسيط تكمن حكمة ثقيلة: حين تقود العتمةُ الطريق — حرفيًا أو مجازًا — تصبح النجاة من كل منعطف إنجازًا يُحتفى به، لا لأن الطريق سُلِك كما يجب، بل لأن الخطر كان أكبر من أن يُتجاوز بسهولة.

العمى ليس عيبًا، لكن العمى في الرؤية مصيبة

لنكن صادقين مع أنفسنا؛ فلسنا نتحدث عن العمى الجسدي الذي لا يُنقص من كرامة أحد، بل عن عمى البصيرة، عن فقدان البوصلة، عن ذلك النوع من القادة الذين يتحدثون كثيرًا ولا يرون شيئًا. أولئك الذين تسلّلوا إلى مواقع القرار، فقادوا الشعوب نحو المجهول، تارةً باسم الدين، وتارةً باسم الوطن، وأخرى باسم الحداثة المزعومة.

في ظل هذا العمى القيادي، تصبح التفاصيل الصغيرة — كتحاشي الاصطدام بجدار، أو اجتياز حفرة في الطريق — إنجازات خارقة. يُطلَب من الشعوب التصفيق لكل التفافٍ ناجح حول كارثة، بدلًا من طرح السؤال الجوهري: من جاء بنا إلى حافة الكارثة أصلًا؟

حين يتحوّل البقاء إلى بطولة

كم مرة صفّقنا للناجين من انهيار؟ كم مرة هلّلنا لصمودٍ لم يكن نتيجة تخطيطٍ محكم، بل نتيجة حظٍّ أعمى أو رحمةٍ إلهية؟ في فلسطين، مثلًا، تتكرّر هذه القصة. ليس لأننا نفتقر إلى العقول، بل لأن القرار، في كثير من الأحيان، يُمنَح لمن يفتقر إلى الرؤية — أو لمن يتعمّد تجاهلها. نعيش حالة من الإعاقات المفروضة، وكأنّنا قافلة يقودها العمى ويصفّق أفرادها له لأنه لم يُلقِ بهم في الهاوية بعد.

من حقنا أن نختار من يرى

هذا المثل لا يدعونا لليأس، بل لتحمّل المسؤولية. إن العمى لا يُعالَج بالتمنّي، بل بالتصحيح. من حق الشعوب، بل من واجبها، أن تسأل قادتها: إلى أين؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومن أين جئتم بهذا الطريق؟ لا يجب أن نُخدَع بالمصادفة التي أنقذتنا، ولا أن نُحوِّل الحذر من السقوط إلى إنجازٍ بحدّ ذاته.

في زمنٍ يُحتفى فيه بالأعطاب وكأنها فضائل، ويُجعل من الحدّ الأدنى سقفًا للطموح، يجب أن نعيد تعريف الإنجاز. الإنجاز ليس في تفادي الكارثة، بل في السير الآمن الواعي نحو هدفٍ واضح. الإنجاز الحقيقي ليس في البقاء، بل في التقدّم.

فلنكسر هذا المثل لا بتكذيبه، بل بتجاوزه: لتقُد القافلة أعينٌ مفتوحة، وقلوب صاحية، وعقول لا تُخدع بالمنعطفات، بل ترسم الطريق نحو الضوء.

رانية مرجية

30 أيار 2025

×