الثلاثاء , 11 مارس 2025 - 10:00 صباحاً

السينما في واقع وذاكرة أهالي مدينة حيفا بعد النكبة

تصوير: نادي المسن حيفا

تصوير: نادي المسن حيفا

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: سامية عرموش 

كتب العديد من المؤرخين والكُتاب عن الحياة الثقافية في مدينة حيفا ما قبل النكبة الفلسطينية، وعن مكانتها الإستراتيجية، لعل أبرزهم كان المؤرخ ابن المدينة د. جوني منصور، الذي خص حيفا بمؤلفات عديدة وثقت الحياة بها بمختلف الأصعدة. كما سعى إلى تنظيم عدة جولات في الأحياء العربية، ولا سيما حي وادي الصليب المُهجر، لتعريف الأجيال المختلفة عن تاريخ وارث البلد ونسيجه الاجتماعي المميز.

وفي سياق متصل ذكر الكاتب الأردني خالد بشير في مطلع مقالته التي نشرت في شهر أكتوبر من العام الماضي (2023)، عبر موقع حفريات، تحت العنوان: الحياة الثقافية في فلسطين قبل النكبة.. شواهد تكذب الدعاية الصهيونية. “ما كان لبيروت أن تصبح عاصمة الثقافة العربية إلا بعد سقوط مدينة حيفا”، وهو اقتباس عن الباحث اللبناني، سمير قصير، ورد في كتابه “تاريخ بيروت”.

مصادر عديدة أشارت كما أسلفت إلى نبض الحياة الثقافية في حيفا، وتفاعل المجتمع الفلسطيني برمته معها، آنذاك، إذ عجت المدينة بالوافدين من مختلف البلدان، لزيارة المتنزهات ودور العرض التي استضافت كبار الفنانين من العالم العربي، كأم كلثوم، يوسف وهبي، فريد الأطرش وأسمهان، وغيرهم. إلى جانب عرضها الأفلام المصرية والأجنبية على السواء.

وفيما يتعلق بالسينما، وهو موضوع اختصاصي الذي أحب، وأبحث من خلاله ثقافات الشعوب منذ عدة سنوات، ولا سيما السينما المصرية. فإن ارتياد السينما قبل النكبة يختلف عن ارتيادها بعد النكبة، لعدة أسباب، منها تهجير غالبية سكان حيفا، والقضاء على المؤسسات الثقافية، ومحو وطمس البعض من معالمها العربية، وإبقاء الفلسطيني تحت الحكم العسكري عامة وبعد.

وقد قادني فضولي إلى نادي المسن في شارع حداد في حي وادي النسناس العريق، وذلك بعد التنسيق مع مديرته السيدة أميمة جشي، بهدف الالتقاء بالجيل الثاني بعد النكبة، للتعرف من خلالهم على مظاهر الحياة الثقافية بعد النكبة، ولا سيما ارتياد السينما.
وكانت لي معهم هذه المشاركات القيمة:

“ابن حماي (أخ زوجي) قال لي: يجب أن تشاهدي فيلم فريد الأطرش، الممثلة مريم فخر الدين التي تمثل أمامه تُشبهك جدا”.

تقول فيفي كركبي وهي مواليد 1 – 7 – 1941 وعملت خلال سنوات ككوافيره من صالونها الخاص. بأن أخ زوجها، الذي حضر فيلمًا لفريد الأطرش ومريم فخر الدين في مطلع الستينيات، في دار العرض في شارع جانيم، بأن عليها مشاهدة الفيلم كي ترى مستوى الشبه بينهما.
وأردفت، كنت متزوجة للتو، وقلت لزوجي لنذهب إلى السينما قبل مغادرة حيفا نحو إيلات (أم الرشراش سابقا). واستهجن من حولي، ارتيادي للسينما، وأنا عروس جديدة. ولكني أردت أن أرى شبيهتي. وشاهدنا الفيلم واستمتعنا جدًا من العرض. وقد وجدت فعلا شبه بيني وبين الممثلة مريم فخر الدين.

“أهالينا كانوا محافظين، والذهاب إلى السينما كان مشروطا بألا نجلس بجانب الغرباء”

أما المربية المتقاعدة فريدة بدران، وهي من مواليد 20 – 1 – 1948 فقد روت بأن غالبية الأفلام التي كانت تُعرض في دار العرض الموجود في شارع يافا، كانت لفريد الأطرش.
وشددت: “كانوا يحبوا فريد الأطرش”. كما أشارت إلى أنها وصديقاتها قد شاهدوا فيلم أبي فوق الشجرة لعبد الحليم حافظ. أما عن موافقة الأهل بأن ترتاد بناتهن السينما، فقد كانت الموافقة بعد جُهد. وذلك لأن المجتمع في الداخل كان محافظا، وارتياد السينما لم يكن أمرا مقبولا للبنات خاصة. وكان يُشترط عليهن بألا يجلسن بجانب الغرباء، وبأن يخترن إبقاء كرسي فارغة بينهن وبين أي غريب يجلس بنفس الصف.

“اتفقت العائلة الكبيرة بالذهاب سويًا إلى السينما، حتى لا تدعنا نذهب وحدنا”

وأفادت السيدة والمحاسبة المتقاعدة ايفيت شحادة بلان، وهي من مواليد 4 – 12 – 1958 بأنها أرادت الذهاب رفقة قريباتها إلى السينما، لمشاهدة فيلم أبي فوق الشجرة لعبد الحليم حافظ.
وقد قوبل طلبهن بالرفض من قبل أهاليهن. ولكن بعد إصرارهن الشديد، قررت العائلة الموسعة، المؤلفة من الأعمام والخالات، بأن ترتاد السينما مع أولادهم وبناتهم، وبذلك تتمتع العائلة كلها بالعرض الجميل، وتمكن البنات من حضور العرض برفقتهم.

“بالنسبة إلينا مشاهدة فيلم عربي، ومن مصر، فهذه تجربة غير عادية”

يقول المربي المتقاعد، نبيل سمور، وهو من مواليد قرية البقيعة التي تقع في الجليل الأعلى،21 – 1 – 1947 بأن الفيلم الأول الذي شاهده في دار للعرض، كان في بداية السبعينيات، في سينما دومينو الواقعة آنذاك بين شارعي هرتسل وحالوتس، في حي الهدار العلوي في مدينة حيفا.
ويضيف: كنت أعزبا، وذهبت لمشاهدة فيلم مصري مع أصدقاء لي. فبالنسبة لنا، مشاهدة فيلم عربي في حيفا، من مصر، فهذه تجربة غير عادية”.
وأردف: قرأت بأن حيفا كانت مركزا إعلاميا قبل العام 1948، وبأن أول صحيفة صدرت بحيفا، عصبة التحرر الوطني 1944. وبأن المتنزهات ودور العرض السينمائي كانت جزءا من مناخها الثقافي. فقد حطت أقدام أشهر الفنانين العرب في حينه في مدينة حيفا. كيوسف وهبي، عبد الوهاب، صباح وآخرون.
واختتم: فقد روى لنا عمي بأنه أتى من البقيعة إلى حيفا خصيصا، كي يحضر احتفالا لصباح.

“السينما هي مُتعتي، وأفلام الحركة والتاريخ هي أفضليتي”

يروي السيد سمير سمبر، وهو من مواليد شارع حداد في مدينة حيفا، في العام 22- 9 – 1943 بأنه وقبل أن يغادر حيفا إلى أمريكا في العام 1967، أي بعد النكسة، مستقرا فيها لغاية العام 2022.
بأنه عمل كمحاسب في البنك الوطني (ليؤومي)، واعتاد بأن يرتاد دور العرض، مرتان إلى ثلاثة في الأسبوع، رفقة أصدقائه. وذلك بعد دوامه.
وأضاف: لم أحب السياسة، وكنت أحب قراءة الصحف الثقافية والاجتماعية. وقد ساعدني تعلمي في مدرسة دينية على اكتساب عدة لغات أجنبية في جيل مبكر، وهو ما منحني إمكانية الاطلاع الواسع، على مختلف المصادر.
أما فيما يتعلق بالمشاهدات السينمائية، فقد قال إن “السينما هي مُتعتي، والأفلام الحركة والتاريخ هي أفضليتي”، إذ أحب الأفلام التي تحدثت عن عهد الرومان واليونان، هرقوليس،، طرزان الكاوبوي، أفلام الحروبات.
وأردف: كان ثمن التذكرة في حينه ما بين ليرة وليرتين. وكانت السينما لميسوري الحال. وبقيت على هذا النمط، بعد هجرتي إلى أمريكا، حيث اعتدت زيارة السينما مرة في الأسبوع.
للسيد سمبر ثقافة فنية عالية، فقد شاركني بعدة معلومات حول قصص الأغاني، منها قصة الأغنية المصرية الشهيرة “ست الحبايب”.


(*) سامية عرموش هي صحفية وناقدة سينمائيّة من فلسطينيي 48، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع “ثقافة السينما” من جامعة حيفا.

×