الثلاثاء , 30 أبريل 2024 - 1:26 صباحاً

"جلب حياة إلى العالم في وضع مهدِّد للحياة"

مركز رامبام الطبي حيفا : "المُعالَجة التي تبلغ قيمة علاجها أكثر من مليون ش.ج. سنويًّا"

في الصورة: صافيناز ومحمّد عبادة مع الدكتور شاحر شيلي في رمبام.

في الصورة: صافيناز ومحمّد عبادة مع الدكتور شاحر شيلي في رمبام.

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

صافيناز عبادة، 34 عامًا، من منطقة مرج ابن عامر، احتفلت بعيد ميلادها قبل أيّام قليلة فقط. هذا الحدث، الذي يحدث كلّ يوم في حياة الكثير من الناس، ليس مفهومًا ضمنًا على الإطلاق بالنسبة إلى عبادة. فهي تصارع، على مدى السنوات الخمس الأخيرة، مرضًا يهدّد حياتها، وتمّ اكتشافه بفضل حمْل لم تتمكّن من إنهائه. اليوم، وبفضل تفاني طبيب الأعصاب المعالِج والدواء الرحيم الذي يكلّف نحو مليون ومائتي ألف ش.ج. سنويًّا، هناك أمل في أن تتمكّن عبادة من الاحتفال بأعياد ميلاد أخرى كثيرة ورؤية طفليها يكبران.

بعد زواجها من محمّد بوقت قصير بدأت صافيناز عبادة تفقد قدرتها على استخدام عضلاتها. وظهرت الأعراض الشديدة التي عانت منها فور الحمل، الذي حدث بعد فترة قصيرة من الزواج، فقضيا فترة شهر العسل كزوجين شابّين في المستشفيات، في الأساس: "خلال شهرين من الزواج كنتُ حاملا وفجأةً لم أستطع المضغ، أو التحدّث بشكل صحيح، وكانت عيني تغمض فجأةً، دون سيطرة. لم أفهم ماذا يحدث"، تستعيد عبادة تلك الفترة التي بدأ فيها كلّ شيء. وتضيف: "لمدّة ثلاثة أسابيع وجدنا أنفسنا نذهب بشكل متكرّر إلى الأطبّاء دون أن نفهم ما الموضوع. لا أحد يفهم الأعراض. ​​أرادوا إرسالي إلى أخصّائي فم ولثّة، ولإجراء فحص عيون، وغير ذلك من الأمور التي غير ذات صلة. هذا كلّه وأنا حامل – نركض من قسم إلى قسم دون العثور على شيء".

ربّما أنّ هذا الحمل الأوّل هو بالذات ما أنقذ حياتها. أدّى فحص متابعة الحمل الذي أجرته إلى التركيز على سبب ظهور جميع الأعراض الغريبة – وهو مرض مناعيّ ذاتيّ يسمّى الوهَن العضليّ الوبيل (Myasthenia Gravis)، والذي ظهر لديها في منتصف عمرها، وأدّى إلى ضعف عضلات عبادة وعدم السيطرة على بعض الأعضاء، بسبب ضرر جسيم يلحقه بالموصل العصبيّ العضليّ.

"يبدأ المرض غالبًا بأعراض مرتبطة بالرؤية"، يوضّح د. شاحر شيلي، رئيس مجال الأمراض العصبيّة-العضليّة والفيزيولوجيا الكهربيّة السريريّة في قسم الأعصاب في رمبام، ومدير مركز مرضى الوهَن العضليّ في رمبام، الذي يرافق علاج عبادة، "بعد ذلك تتفاقم الأعراض ومن المتوقّع أن تتدهور حالة المرضى، مع نشوء إصابة في آليّات البلع والتنفّس، بنسب عالية، وكذلك ضرر في القدرة على النطق وفي عضلات الأطراف، ما سيؤدّي إلى تقييد شديد في الحركة. وهناك بحث نجريه حاليًّا عندنا يتقصّى أيضًا تأثير المرض على القدرات الذهنيّة"، ويصف د. شيلي مسار المرض، ويضيف: "المرض غير مستقرّ، ويتميّز بنوبات من التفاقم والتراجع. يعاني العديد من المعالَجين من الاكتئاب والقلق، بحيث يضطرّ نحو نصفهم إلى ترك مكان العمل، ويجدون صعوبة في القيام بالأنشطة الأساسيّة وغالبًا ما يرقدون في المستشفى. يتطوّر المرض في أيّ عمر، ولكنّه أكثر شيوعًا بين النساء الذين تتراوح أعمارهنّ بين 20-40 عامًا، عندما يكنّ في أوج حياتهم، خلال فترة تكوين أسرة ومهنة".

منذ لحظة تشخيص عبادة بدأت تتلقّى العلاج من المرض، وكان من الضروريّ أوّلًا وقبل كلّ شيء جعل حالتها مستقرّة. الأدوية الأولى التي تلقّتها أضرّت بالجنين الذي في رحمها، وبالتالي كان عليها اتّخاذ قرار صعب: حياتها أو حياة الجنين. وهي تقول بحزن عن هذا الحمل: "إنّه وضع مستحيل، ولكن تمّ اتّخاذ القرار الصعب. أنهينا الحمل الذي ربّما أنقذ حياتي".

جلب حياة إلى العالم في وضع مهدِّد للحياة

المرض المتقلّب قاد عبادة وشريك حياتها في طريق صعب. حتّى في وقت لاحق كانت هناك فترات استجابت فيها بشكل أفضل للأدوية، ثمّ طرأ تدهور مرّة أخرى، وهي أوضاع كانت حالتها فيها صعبة لدرجة أنّها اضطرّت إلى الرقود في المستشفى لفترات طويلة، وحتّى أنّها وصلت إلى حالات تهدّد حياتها، وتمّ علاجها في قسم العناية المركّزة عدّة مرّات وهي تتأرجح بين الحياة والموت. ومن بين الحالات الدراميّة الطبّيّة، عندما سمحت لها الأدوية، حملت عبادة مرّتين وأنجبت طفلين سليمين، ابنًا وابنة، وذلك بخلاف كل الاحتمالات: "بالنسبة لامرأة في وضعها، الحمل هو تجربة تهزّ الجسم وتُخرِج الجهاز من توازنه"، يوضّح د. شيلي، "إنّ اختيار الحمل، ورعاية الحمل والولادة هو أمر شجاع للغاية. فالحمل "يوقظ" المرض ويعرّض حياة المرأة للخطر، لكنّ صافيناز حاربت. رأينا تصميمها مرارًا وتكرارًا في كلّ خطوة من خطوات مواجهة الوهَن العضليّ".

وبالفعل، دفعت عبادة ثمنًا مقابل الولادات التي قرّرت خوضها. فبعد وقت قصير من ولادتها الثانية توقّفت عن الاستجابة للأدوية، ومع استمرار تدهور حالتها، تمّ إدخالها إلى قسم العناية المركّزة، وكانت حياتها في حالة الخطر مرّة أخرى. طاقم الأطبّاء الذين عالجوها في رمبام: د. شيلي، د. أساف ميلر، مدير قسم العناية المركّزة الداخليّة، ود. عميت كاتس، مدير جراحة الصدر قرّروا تنفيذ خطوة استثنائيّة للغاية وإخضاعها لعمليّة جراحيّة دراماتيكيّة بهدف جعل حالتها مستقرّة، وهي في خضمّ نوبة صعبة. هذه الخطوة، التي انتهت بالنجاح، حسّنت قدراتها على التنفّس وسمحت لها بالاستمتاع بكونها أمًّا جديدة لفترة معيّنة من الوقت بطريقة أكثر مثالية. تقول عبادة: "من الصعب جدًّا رؤية الأطفال وعدم القدرة على أن تكوني أمًّا مثل أيّ أمّ أخرى". وتضيف: "من الصعب حمل الطفل، تغيير الحفاضات له واللعب معه. الجسم متعب طوال الوقت والعضلات لا تقوم بما هو مطلوب منها". ويشاركها زوجها محمّد أيضًا في التعبير عن هذه الصعوبات، قائلًا: "كنّا زوجين شابّين. كلّ زواجنا هكذا. بدأ ذلك بعد زواجنا مباشرة. وبدلًا من الاستمتاع بما تقدّمه العلاقة الزوجيّة والأبوّة والأمومة فإنّ عليّ أن أراها تعاني، وأن أدعمها وأساعدها في رعاية الأطفال. ليس من السهل رؤيتها في هذا الوضع والحفاظ على الحياة الأسريّة في ظلّ هذا المرض الصعب. أرجو ألّا يتعرّض أحد لشيء كهذا. هناك الكثير من القلق، والكثير من الضغط. نحن نتأقلم حاليًّا ونأمل أن يكون كلّ شيء على ما يرام. نحن نفعل ما في وسعنا. كلّ شيء من عند الله".

واحدة من 21 إسرائيليًّا

بالضبط كالحمل الذي لم ينتهِ بالولادة، ولكن أدّى إلى التشخيص. أصبحت المرّة الثانية التي أنجبت فيها عبادة بمثابة نقطة تحوّل في التعامل مع الوهَن العضليّ. وكجزء من علاجها الجديد، عرض عليها د. شيلي دواءً جديدًا تمّ تصنيعه في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. ويوضّح د. شيلي: "في هذه المرحلة يبدو أنّ صافيناز تلقّت جميع العلاجات السريريّة والدوائيّة الموجودة والمعتمدة من قبَل وزارة الصحّة، دون فائدة"، ويضيف: "كانت ببساطة على وشك الموت – بشكل حتميّ. امرأة شابّة، أمّ لطفلين، حياتها كلّها أمامها وهي آخذة بالاضمحلال. بقي لدينا حلّ آخر أخير – دواء بيولوجيّ، بؤريّ، أظهر نتائج جيّدة لدى معالَجين مختلفين في البلاد والعالم، لكنّ تكلفته مرتفعة جدًّا، أكثر من مليون ومائتي ألف ش.ج. سنويًّا".

علاج عبادة حفّز د. شيلي على المضيّ قدمًا حتّى النهاية والتفكير خارج الصندوق واضعًا نصب عينيه صحّة المعالَجة، فلم يستسلم وكتب رسالة طويلة وجّهها إلى إدارة شركة الأدوية العالميّة المنتِجة للدواء، طالبًا فيها تقديم العلاج الرحيم لها. ويقول: "سررتُ كثيرًا عندما تلقّينا إجابة إيجابيّة، واستجابت الشركة لطلبنا، وقدّمت الدواء في الوقت المحدّد لمدّة نصف سنة. بعد ذلك حصلنا على موافقة لمدّة نصف سنة أخرى، واليوم – بعد خمس دورات علاجيّة، صافيناز في مرحلة تجديد دورة العلاج بالدواء. أصبحت صافيناز واحدة من ضمن 21 معالَجًا تلقّوا الدواء، بحيث حصل عليه 20 معالَجًا بجرعات مختلفة، وهي الوحيدة التي أعطتها شركة الأدوية الدواء كعلاج رحيم. كان التحسّن مذهلًا، لقد استعادت حياتها. عندما أراها، لا أستطيع أن أصدّق أنّها نفس المرأة التي رأيتُها قبل عام. تقف على قدميها، قادرة على التنفّس، القيام بمهامّها، تعانق طفليها، إنّه أمر مثير للمشاعر بالنسبة لي. لسروري الكبير، علمنا مؤخّرًا أنّ الدواء دخل إلى السلّة الصحّيّة، وبذلك لم تعد بحاجة إلى النضال المتجدّد من أجل صحّتها".

بحسب أقوال د. شيلي، تجري في مركز رمبام للوهَن العضليّ متابعة مئات المرضى، والكثير منهم، مثل عبادة، سيحتاجون إلى الأدوية لفترة طويلة من حياتهم: "يجب على مرضى الوهَن العضليّ الاتّصال بالمراكز المتخصّصة لبدء العلاج المناسب، الملاءَم من أجلهم، منذ المراحل الأولى للمرض. فهذا يمكن أن يمنع الصعوبات في علاج المرض في فترات لاحقة. ونظرًا لوجود العديد من العلاجات البيولوجيّة التي يتمّ تطويرها في السنوات الأخيرة والتي تدخل السوق، فمن الضروريّ أيضًا الاستعداد من جديد على مستوى تعامل الجهاز. هناك مجال لوجهة نظر مختلفة، لطريقة مختلفة لاتّخاذ القرارات والإجراءات عمّا هو موجود اليوم".

 

في الصورة: صافيناز ومحمّد عبادة مع الدكتور شاحر شيلي في رمبام.

كريديت التصوير: المجمّع الطبّيّ رمبام.

 

×