الخميس , 28 مارس 2024 - 5:48 مساءً

سعيد الخرومي الذي عرفته واحببته...بقلم:د. ثابت ابو راس

سعيد الخرومي الذي عرفته واحببته...بقلم:د. ثابت ابو راس

سعيد الخرومي الذي عرفته واحببته...بقلم:د. ثابت ابو راس

سعيد الخرومي الذي عرفته واحببته...بقلم:د. ثابت ابو راس

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

ان ترى جثمان المرحوم سعيد الخرومي مسجى في نفس البيت الذي ولد فيه في القرية غير المعترف بها, قرية السر, والتي تقع على تلة تطل على مدينة بئر السبع المتطورة, يحكي قصة سعيد وعائلته. هذا المشهد يحكي أيضا قصة 49 عاما، هن عمر سعيد، من النضال ضد السياسة العنصرية الإسرائيلية ضد عرب النقب. سياسة التهجير وعدم الاعتراف بالقرى التي بدأت مع قيام الدولة واوصلت أصحاب الأرض مثل أهل سعيد وغيرهم من عرب النقب الى مـاساه يعيشها اكثر من 80 الف هم سكان القرى مسلوبة الاعتراف.

سعيد ومنذ نعومة اظفاره تميز بالذكاء الصحراوي الفطري وأمن ان تغيير وضع عرب النقب وخاصة في القرى غير المعترف بها يأتي عبر مقومات ثلاث وعلى راسها وحدة عرب النقب. هذه الوحدة من الصعب الوصول اليها في مجتمع مركب عشائري فقير يقوم على التنافس على موارد قليلة من جهة وحكومة تدق الاسافين وتغذي القبلية وتعمل يوميا على تشتيت المجتمع البدوي اكثر وأكثر من جهة أخرى. ركيزة أخرى امن بها سعيد هو الاهتمام في التربية والتعليم, حيث بدأ حياته كمعلما للفيزياء في ثانوية شقيب السلام وكان فخور بالقفزة النوعية بأعداد خريجي الجامعات, في السنوات الأخيرة,  وخاصة النساء من بنات النقب. كذلك راى سعيد ان الوحدة والتربية والتعليم لن ينجزا الكثير دون خوض المعترك السياسي والتفاعل مع الشعب. حيث كانت محطته الأولى عضوية ورئاسة مجلس شقيب السلام 2004-2008.

باعتقادي ان المحطة الأهم في حياة سعيد كانت قيادته للجنة التوجيه العليا لعرب النقب، الجسم الذي انبثق عن قرار للجنة المتابعة العليا لقضايا المواطنين العرب في البلاد, في اجتماع لها في مدينة راهط  في 18.9.2011، ستة أشهر بعد ان قام كاتب هذه الكلمات بالكشف عن مخطط برافر. لم يكن سهلا على سعيد الخرومي ونشيطي المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها تجميع سكان القرى وقياداتها وسكان البلدات المعترف بها وقياداتها, رؤساء العشائر والأحزاب وتناقضاتها والمجتمع المدني تحت راية واحده. سعيد الرجل هادئ الاعصاب دمث الاخلاق استطاع بحنكته السياسية تغليب الوطني على العشائري ومصلحة الناس على الفئوية. سياسي محنك وضع مصلحة اهله وناسه قبل مصالح حركته الإسلامية. كل هذا بدون مغامرات سياسية كانت ممكن ان تضر في مصلحة القرى وأهلها. لجنة التوجيه لعرب النقب قادت النضال ضد مخطط برافر واسقطته بعد ان مر في القراءة الاولى في الكنيست في 25 حزيران 2013 ولا يمكن اغفال دور المرحوم سعيد القيادي في هذه المعركة.

سعيد رجل المبادئ كان مفاوضا بارعا رأينا وسمعنا مواقفه كعضو كنيست، فترة اربع سنوات فقط، كان اوجها الشهر الأخير. لقد استطاع سعيد بناء علاقة ثقة مع جميع من عمل معهم. هكذا كانت الحالة مع الوزير السابق عمير بيرتس الذي كان مسؤولا عن ملف الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في الحكومة السابقة. وهكذا كانت الحالة مع الوزير الحالي ابن النقب وزير العمل والرفاه الاجتماعي مئير كوهن والذي شارك في جنازة المرحوم سعيد وشهد لسعيد في كلمته استقامته وانتماءه لقراه وشعبه واخلاصه في عمله للناس.

أكثر ما اقلق سعيد في الآونة الأخير كان استمرار هدم البيوت في القرى غير المعترف بها حيث وصل الامر الى هدم أكثر من الفي بيت سنويا امام صمت الجميع والمعاناة المستمرة لسكان القرى. هدفه الأول كان إيقاف هذه السياسة ولم ينجح في ذلك بالرغم ان تقدما ملحوظا طرأ على الامر، حسب حديثه معي قبل أسبوع من وفاته. لقد امن سعيد بالتأثير وتغيير واقع عرب النقب وواقع المواطنين العرب في كل ما يتعلق في التخطيط والبناء وهدم البيوت من خلال ترأسه للجنة الداخلية قبل شهر وكانت خطوته الأولى نجاحه تمديد قانون الفتمال (التخطيط السريع) بخمس سنوات أخرى الامر الذي تستفيد منه العشرات من بلداتنا العربية.

سعيد الخرومي. الأنسان القائد الميداني، تعجل الرحيل في اوج عطاءه. نذكره ولن ننساه في مواقف عدة. سأتذكره كعضو الكنيست الذي لم يصوت لجانب إقامة الحكومة مع حزبه لكنه أراد التأثير السياسي ليخفف عن اهله في القرى غير المعترف بها. أتذكره كعضو كنيست ونشيط حزبي رفض الدخول في المناكفات الحزبية وبقي فوقها دوما وخاصة في معركة الانتخابات الأخيرة. ما احوجنا لمثل هؤلاء السياسيين: يختلف ويحترم ويبقي شعرة معاويه مع الخصوم السياسيين.

امر واحد جلي للعيان. عرب النقب أحبوا سعيد فاكرموه وايدوه تأييد منقطع النظير لم يشهده النقب من قبل. وسعيد أحب شعبه ونقبه والتزم بحل قضاياه. اشك والله اعلم ان حمل سعيد الثقيل، هذا الرجل الحساس، قد ساهم في تعجيل نهايته المأساوية. ما اروعنا كشعب عندما نقوم بتخليد ذكرى من أحب شعبه وتفانى من اجل الناس. حسن فعل رئيس بلدية راهط السيد فايز أبو صهيبان باقتراح إطلاق اسم سعيد الخرومي على مدخل مدينة راهط الرئيسي. هكذا نكرم ابطالنا.

النقب مع المرحوم سعيد كان صعبا وبعده سيكون أصعب. لقد ترك المرحوم فراغا ليس من السهل تعبئته. أملى بشعبنا في النقب المتمرس في النضال ان يسد هذا الفراغ الرهيب سريعا.

×