كتبت: سامية عرموش
الآنسة حنفي – تزمت رجل وتمرد امرأة!

الآنسة حنفي – تزمت رجل وتمرد امرأة!
كتبت: سامية عرموش
طرحت السينما المصرية موضوعات جريئة ومثيرة للجدل منذ بداياتها، وقد تنوعت هذه القضايا بتنوع المناخ الاجتماعي والسياسي، خدمةً للرسالة المراد تمريرها وتذويتها. ولجأ صُناع الفن السابع إلى استعمال الكوميديا عند بث الرسائل الثقيلة وبخاصة في خمسينيات القرن الماضي، وذلك لكون الكوميديا أداةً خادمة جداً ويمكن من خلالها طرح وتقبل المضامين المحظورة.
ومن الأفلام التي تُعدّ نموذجاً للكوميديا "الهادفة" الساعية للتوعية بحقوق مختلفة، الفيلم الكوميدي "الآنسة حنفي"، الذي أنتِج عام 1954 وضم نخبة من نجوم الكوميديا والفن في تلك الفترة وعلى رأسهم النجم الكوميدي إسماعيل ياسين، والفيلم من إخراج فطين عبدالوهاب، أحد كبار مخرجي الأفلام في عصره، وتأليف الصحفي والشاعر والكاتب جليل البنداري، بطولة سليمان نجيب وماجدة وزينات صدقي، عبدالفتاح القصري، وداد حمدي وآخرين.
وتدور أحداثه حول حنفي (إسماعيل يس) الشاب الذكوري، الذي يتعامل بمنتهى القسوة مع زوجة أبيه وابنتها لمجرد أنهن إناث، وذلك من خلال نظرته الرجعية بأن لا حق للمرأة في التعليم وبأنها يجب أن تبقى حبيسة المنزل لدرجة منعها النظر من النافذة، بينما يعطي نفسه الحقوق كافة بما فيها السهر في الكباريهات مع أصدقائه والاستمتاع بملذات الحياة المختلفة، وهو ما يمثل سلوكيات شريحة من الرجال في مجتمعنا الأبوي الازدواجي، الذي يتغنى بالرجولة (الجوفاء).
يرضخ حنفي المُستبد خلال أحداث الفيلم للزواج من ابنة زوجة أبيه "نواعم"، (التي تحمل اسماً يؤطر النساء في خانة نمطية) وذلك بالرغم من رفضه الزواج كلياً.
ويساق كل منهما لحفل الزفاف، حيث يصاب حنفي بمغص غريب وشديد جداً يُنقل على إثره إلى المستشفى ويخضع لعملية جراحية تحوله إلى أنثى، كل ذلك وسط حبكة كوميدية ظريفة.
ويأتي هذا التحول بامرأة نقيضة للرجل المتزمت إذ إن فيفي (نسخة حنفي الأنثوية) أكثر حباً وسعياً للحرية، فهي التي تقرر الهرب مع الجزار أبو سريع (الممثل رياض القصبجي) الذي يختاره قلبها، رغم رفض والدها بزواجها منه وتعود بعد سبعة شهور لتلد أربعة أطفال، لينتهي الفيلم بزفافها، أي تقبّل الأب لقرارها!
ومن المهم الإشارة إلى أن الفيلم قد بث أفكاراً نسائية تقدمية من خلال مشاهده، فيجب الالتفات إلى أنه واكب وعاصر فترة الثورة، (أي بعد قيام حركة 23 يوليو)، فتقول نواعم (الفنانة ماجدة): "الستات في أوروبا بتخطب في البرلمان واحنا لسه هنقف ورا الشبابيك" وتقول فلة (زوجة الأب – الفنانة زينات صدقي): "المرأة دلوقتي لها حق مساو للرجل".
أضف إلى هذه الجمل التي قد تبدو خطابية بعض الشيء، فإن والد "حنفي" قد قال جملة عند تحول حنفي جنسياً، يستدل من خلالها على تقبل هذا التحول، فيرد على زوجته التي تقول له: دلوقتي ابنك بقي بنت”، ب: “وماله؟ مش خلقة ربنا؟”.
وجدير بالذكر أن مؤلف الفيلم قد استوحى قصته من حادثة حقيقية وقعت في مصر عام 1947 والتي انتهت بتحول فاطمة إلى علي، بهدف طرح مُعضلة التحوّل الجنسي من ذكر إلى أنثى أو العكس لأسباب بيولوجية بحتة في المجتمع المصري آنذاك.
وأظن أن عنوان الفيلم "الآنسة حنفي" قد عكس هذا الاضطراب، أو تلك الهوية المزدوجة للشخصية التي لعبها الفنان إسماعيل ياسين.
الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.